الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
مات الشيخ العمدة الإمام خاتمة العلماء والأعلام ومسك ختام الجهابذة ذوي الإفهام ومن افتخر به عصره على الأعصار وصاح بلبل فصاحته في الأمصار يتيمة الدهر وشامة وجه أهل العصر العالم المحقق والنحرير المدقق بديع الزمان والتاج المرصع على رؤوس الأقران الناظم الناثر الفصيح الباهر الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي والده كان من أعيان التجار بمصر وأصل مرباهم بالسويس بساحل القلزم وصاوي نسبة الى بلدة بشرقية بلبيس تسمى الصوة وهي على غير القياس وهي بلدة والده ثم انتقل منها الى السويس وكان يبيع بها الماء وولد له بها المترجم فارتحل به الى مصر وسكن بحارة الحسينية مدة وأتى بولده المترجم الى الجامع الأزهر واشتغل بالقراءة فحفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وتخرج به ومهر وأنجر وأقرأ الدروس وختم الختوم وشهد له الفضاء وكان لطيف الذات مليح الصفات رقيق حواشي الطبع مشارًا إليه في الإفراد والجمع مهذب الأخلاق جميل الأعراق وحاله وفضله كثير ولم يزل يقرر ويفيد ويملي ويعيد حتى قطفت يد الأجل نواره وأطفأت رياح المنية أنواره. ومات الأمير عثمان بك الأشقر الإبراهيمي وهو من مماليك ابراهيم بك الكبير الموجود الآن اشتراه ورباه وأعتقده وجعله خازنداره مدة ثم قلده الإمارة والصنجقية في سنة 1129 وعرف بالأشقر لشقرته ولما انتقل أستاذه الى بيت سيده محمد بك بعطفة قوصون سكن مكانه بدرب الجماميز وصار له مماليك وأتباع وانتظم في عداد الأمراء وخرج مع سيده في الحوادث وتغرب معه في البلاد القبلية وطلع أميرًا بالحج في سنة 1210 وعاد في أمن وأمان ولما حصلت حادثة الفرنسيس كان هو مع من كان بالبر الغربي وذهب الى الصعيد ثم مر من خلف الجبل ولحق بأستاذه ببر الشام ولم يزل حتى رجع مع أستاذه والأمراء بصحبة عرضي الوزير في المرة الثانية ثم سافر مع حسين باشا القبودان فقتل مع من قتل بأبي قير ودفن بالاسكندرية وكان ذا حشمة وسكون وحسن عشرة مع ما فيه من الشح. ومات الأمير عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي المرادي وهو من مماليك مراد بك. اشتراه ورباه ورقاه وقلده الإمارة والصنجقية في سنة 1197 ولما وصل حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج مع سيده وباقي الأمراء من مصر على الصورة المتقدمة ووقع بينهم ما وقع من الحروب والمهادنة حضر هو وحسين بك المعروف بشفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي الى مصر رهائن ولما سافر حسن باشا الى الروم أخذهم صحبته بإغراء اسمعيل بك فأقاموا هناك ثم نفوهم الى ليميا فاستمروا بها ومات بها حسين بك خشداشه المذكور ثم رجع المترجم وعبد الرحمن بك بعد وقوع الطاعون وموت اسمعيل بك وأتباعهما الى مصر. فلم يزالوا حتى حصل ما حصل من ورود الفرنسيس وموت مراد بك في أخريات أيامهم. فوقع اختيار المرادية على تأميره عوضًا عن سيده بإشارة خشداشه محمد بك الألفي وانتقل بعشيرته الى الجهة البحرية وانضموا الى عرضي الوزير ووصلوا الى مصر فكان هو وابراهيم بك الألفي ثاني اثنين يركبان معًا وينزلان معًا ولم يزل حتى سافر القبودان بعدما مكر مكره مع الوزير سرًا على خيانة المصريين فأرسل يستدعيه هو وعثمان بك البرديسي فسافرًا امتثالًا للأمر فأوقع بهما ما تقدم وقتل المترجم ونجا البرديسي ودفن بالاسكندرية. وكان أميرًا لا بأس به وجيه الشكل عظيم اللحية ساكن الجأش فيه تؤدة وعقل وسبب تلقبه بالطنبرجي أنه كان في عنفوان أمره مولعًا بسماع الآلات وضرب الطنبور. ومات الأمير مراد بك المعروف بالصغير وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وانتمى الى سليمان بك الآغا واستمر ملازمًا له ومنسوبًا إليه مدة أعوام وكان يعرف بمراد كاشف وله إيراد واسع ومماليك ثم تقلد الإمارة والصنجقية في 1206 فزادت وجاهته ولم يزل كذلك حتى سافر مع عثمان بك الأشقر وأحمد بك الحسني مع القبودان وقتل كذلك بأبي قير ودفن بالاسكندرية. ومات الأمير قاسم بك أبو سيف وهو مملوك عثمان بك أبي سيف الذي سافر بالخزينة ومات بالروم وذلك سنة 1180 وهي آخر خزينة رأيناها سافرت الى اسلامبول على الوضع القديم وعثمان بك هذا مملوك عثمان بك أبي سيف الذي كان من جملة القاتلين لعلي بك الدمياطي وخليل بك قطامش ومحمد بك قطامش في ولاية راغب باشا كما تقدم وخدم المترجم مراد بك وكان يعرف بقاسم كاشف أبي سيف وكان له إقطاع والتزام وإيراد واشتهر ذكره في أيام مراد بك وبنى داره التي بالناصرية وأنفق عليها أموالا جمة وكان له ملكة وفكرة في هندسة البناء واستأجر قطعة عظيمة من أراضي البركة الناصرية اتجاه داره من وقف المولوية وسورها بالبناء وبنى في داخلها قصرًا مزخرفًا برحبة متسعة وقسم تلك الأرض بتقاسيم للمزارع وحولها طرق ممهدة مستطيلة ومجار للمياه التي تصل إليها أيام النيل ومجار أخرى عالية مبنية بالمؤن والخافقي من داخلها تجري فيها المياه من السواقي ويحيط بذلك جميعه أشجار الصفصاف المتدانية القطاف وبداخل تلك البركة المنقسمة النخيل والأشجار ومرارع المقاثئ والبرسيم والغلة وغيرها يسرح فيها النظر من سائر جهاتها وتنشرح النفوس في أرجائها ومساحاتها وجعل السواقي في ناحية تجتمع مياهها في حوض وبأسفله أنابيب تتدفق منها المياه الى حوض أسفل منه وعنده مجلس ومساطب للجلوس وتجري منه المياه الى المجاري المخففة المرتفعة ومنها تنصب من مصبات من حجر الى أحواض أسفل منها صغار وتجري الى مساقي المزارع وعند كل مصب منها محل للجلوس وعليه أشجار تظله وبوسطه أيضًا ساقية بفوهتين تجري منها المياه أيضًا والقصر يشرف على ذلك كله وحول رحبة القصر وطرق الممشاة كروم العنف والتكاعيب وأباح للناس الدخول إليها والتنزه في رياضها والتفسح في غياضها والسروح في خلالها والتفيؤ في ظلالها وسماها حديقة الصفصاف والآس لمن يريد لحظو والائتناس ونقش ذلك في لوح من الرخام وسمره في أصل شجرة يقرؤها الداخلون إليها فأقبل الناس على الذهاب إليها للنزاهة ووردوا عليها من كل جهة وعملوا فيها قهاوي ومساقي ومفارش واتخاخًا يفرشها القهوجية للعامة وقللًا وأباريق واجتمع بها الخاص والعام وصار بها مغان وآلات وغواني ومطربات والكل يرى بعضهم بعضًا وجعل بها كراسي للجلوس وكنيفات لقضاء الحاجة وجعل للقصر فرشًا ومساند ولوازم ومخادع لنفسه ولمن يأتي إليه بقصد النزاهة من أعيان الأمراء والأكابر فيبيتون به الليالي ولا يحتاجون لسوى الطعام فيأتي إليهم من دورهم وزاد بها الحال حتى امتنع من الدخول إليها أهل الحياء والحشمة وأنشأ تجاهها أيضًا على يسار السالك الى طريق الخلاء بستانًا آخر على خلاف وضعها وأخبرني المترجم أيضًا من لفظه أنه أنشأ بستانًا بناحية قبلي أعجب وأغرب من ذلك ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج منها أمراؤها تخلف المترجم عن مخدومه واستقر بمصر فقلدوه الإمارة والصنجقية في سنة 1201 فعظمت أمرته وزادت شهرته وتقلد إمارة الحج مرتين ولما أوقع العثمانية بالأمراء المصرلية ما أوقعوه وانفصلوا من حبس الوزير وانضموا الى الانكليز بالجيزة ثم انتقلوا الى جزيرة الذهب وارتحلوا منها الى قبلي تخلف عنهم المترجم لمرض اعتراه وحضر الى مصر ولازم الفراش ولم يزل حتى مات في يوم الخميس سادس القعدة من السنة وكان يخضب لحيته بالسواد مدة سنين رحمه الله. ومات ابراهيم كتخدا السناري الأسود وأصله من برابرة نقلة وكان بوابًا في مدينة المنصور وفيه نباهة فتداخل في الغز القاطنين هناك مثل الشابوري وغيره بكتابة الرقى وضرب الرمل ونحو ذلك ولبس ثيابًا بيضاء ثم تعاشر مع بعضهم وركب فرسًا وانتقل الى الصعيد مع من اختلط بهم وتداخل في أتباع مصطفى بك الكبير ولم يزل حتى اعتشر بالأمير المذكور وتعلم اللغة التركية فاستعمله في مراسلاته وقضاياه فنقل فتنة ونميمة بين الأمراء فأراد مراد بك قتله فالتجأ الى حسين بك وخدمه مدة ثم تحيل والتجأ الى مراد بك وعاشره وألبه ولازمه في الغربة والأسفار واشتهر ذكره وكثر ماله وصار له التزام وإيراد وبنى داره التي بالناصرية وصرف عليها أموالًا واشترى المماليك الحسان والسراري البيض وتداخل في القضايا والمهمات العظيمة والأمور الجسيمة وصار من أعظم الأعيان المشار إليهم بمصر ونمى ذكره وعظم شأنه وباشر بنفسه الأمور من غير مشورة الأمراء فكان يحل ما يعقده الأمراء الكبار ولما تحجب مخدومه بقصر الجيزة كان المترجم لسان حاله في الأمر والنهي وبيده مقاليد الأشياء الكلية والجزئية ولا يحجب عن ملاقاة مخدومه في أي وقت شاء فينهي إليه ما يريد تنفيذه بحسب غرضه واتخذ له أتباعًا وخدمًا يقضون القضايا ويسعون في المهمات ويتوسطون لأرباب الحاجات ويصانعهم الناس حتى الأكابر ويسعون الى دورهم وصاروا من أرباب الوجاهات والثروات ولم يزل ظاهر الأمر نامي الذكر حتى وقعت الحوادث وسافر الفرنساوية ودخل العثمانية ورجع قبودان باشا الى أبي قير فأرسل يطلبه في جملة من استدعاهم إليه وقتل مع من قتل ودفن بالاسكندرية. محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشرة هجرية استهل بيوم الاثنين فيه تواترت الأخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعًا ورفع الحروب فيما بينهم. وفيه ترادفت الأخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحية نجد ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الأرض ويزعم أنه يدعو الى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس ومشوا عليها الى غير ذلك. وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة الى الديار الرومية ونزل الى بولاق وضربوا له عدة مدافع وفي هذه الأيام حصلت أمطار متتابعة وغيام ورعود وبروق عدة أيام وذلك في أواسط نيسان الرومي. وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من الغد الى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانًا كبيرًا ببركة الأزبكية وحضر العساكر والجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه الى ذلك الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقفطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا الأكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتًا مشهودًا. وفي يوم الثلثاء تاسعهو حضر كبير الانكليز من الاسكندرية ونصبوا وطاقهم ببر انبابة فلما كان يوم الأربعاء يوم عاشوراء عدى كبير الانكليز ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل الانكليز الى الأزبكية وطلعوا الى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلًا وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا الى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد. وفيه وردت الأخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع بالاسكندرية وسلموها لأحمد بك خورشيد وذلك يوم الاثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتيبه أيضًا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برًا وبحرًا وأخذ الباشا في الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين الى السويس والقصير وما يحتاجون إليه من الجمال والأدوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز الى عند الباشا فدعوه الى الحضور الى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدى الى الجيزة بعد الظهر ووقفت عساكر الانكليز صفوفًا رجالًا وركبانًا وبأيديهم البنادق والسيوف وأظهروا زينتهم وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفًا بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم إليه فلقد أخبرني بعض خواصهم أن الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعًا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه الى الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في ذلك الوقت لملكوا الإقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك وإذا تأمل العاقل في هذه القضية يرى فيها أعظم الاعتبارات والكرامة لدين الإسلام حيث سخر الطائفة الذين هم أعداء للملة هذه لدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث الشريف وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فسبحان القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله. وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش. وفيه وصلت مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا أبي مرق وأنه أحدث عليهم مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبًا من المذكور وفي ضمن المكاتبات أنه حفر قبور المسلمين والأشراف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم وشرع يبقى في تلك الجبانة سورًا يتحصن به وأذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم أيضًا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ منهم مالًا عظيمًا على ذلك وفعل من أمثال هذه الفعال أشياء كثيرة. وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤوس من المصرلية وفيهم رأس علي كاشف أبي دياب وتواترت الأخبار بوقوع معركة بين العثمانية والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند أرمنت ورأس عصبة المصرلية الألفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية والعثمانية طمعًا في بذلهم وأن عثمان بك حسن انفرد عنهم وأرسل يطلب أمانًا ليحضر فأرسلوا له أمانًا فحضر الى باشة الصعيد وخلع وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك خازنداره. وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون الى جهة السويس في تعدية البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم جهة البر الغربي متوجهين الى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم الى أماكنهم. وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان الى الجيزة وتسلمها من الانكليز وأقام بها وسكن بالقصر. وفي خامس عشرينه وصل الى ساحل بولاق آغا وعلى يده مثالات وأوامر وحضر أيضًا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم الى الجيزة فركب ذلك الآغا في موكب من بولاق الى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع. وفيه حضر ططري من ناحية قبلي بالأخبار بما حصل بين العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها. وفيه وصلت الأخبار بأن أحمد باشا أرسل عسكر الى أبي مرق من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا عنها الجالب واستمروا على حصاره. وفيه اتخذ الباشا عسكرًا من طائفة التكرور الذين يأتون الى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش قصارًا من جوخ أحمر وألبسة من جوخ أزرق وصدريات وجميعها ضيقة مقطمة مثل ملابس الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر وأعطوهم سلاحًا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع الظاهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرًا يركب فرسًا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا أيضًا العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما تقدم وأركبهم خيلًا وجعلهم فرقتين صغارًا وكبارًا واختارهم للركوب إذا خرج الى الخلاء وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطفاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والإشارات بمرش وأردبوش وكذلك طلب المماليك وغصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس المماليك المصرلية وعمائم شبه البحرية الأروام وبلكات وشراويل وأدخل فيهم ما وجده من الفرنسيس وجعل لهم كبيرًا أيضًا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي بعض الأحيان يلبسون زرديات وخودًا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام الجديد. واستهل شهر صفر الخير بيوم الأربعاء سنة 1217 في ثانيه وصل سعيد آغا وكيل دار السعادة وهو فحل أسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع أيضًا. وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانًا وحضر القاضي والعلماء والأعيان وقرأوا خطًا شريفًا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بأنه ناظر أوقاف الحرمين. وفي يوم الاثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة أشخاص من النصارى المشاهير وهم ألطون أبو طاقية وابراهيم زيدان وبركات معلم الديوان سابقًا وفي الحال أرسل الدفتردار فختم على دورهم وأملاكهم وشرعوا في نقل ذلك الى بيت الدفتردار على الجمال ليباع في المزاد فبدأوا بإحضار تركة ألطون أبي طاقية فوجد له موجود كثير من ثياب وأمتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك عدة أيام. وفيه تواترت الأخبار بأن بونابارته خرج بعمارة كبيرة ليحارب الجزائر وأنه انضم الى طائفة الفرنسيس الاسبانيول والنامرطان وتفرقوا في البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز الى قلاع الاسكندرية واستمرت هذه الإشاعة مدة أيام ثم ظهر عدم صحة هذه الأخبار وأن ذلك من اختلافات الانكليز. وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش الحاج وصحبته مكاتبات الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع وأخبروا بالأمن والرخاء والراحة ذهابًا وإيابًا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر. وفي صبحها دخل أمير الحاج وصحبته المحمل. وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين آغا شنن وزين الفقار كتخدا وصحبتهما علي كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فأرسل إليه الباشا أعيان أتباعه من الأغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة الباشا وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب الى الدار التي أعدت له حضر صحبته صالح بك غيطاس وخلافه من الأمراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل من الأمراء والكشاف في مساكن أزواجهم فكانوا يركبون في كل يوم الى بيت عثمان بك ويذهبون صحبته الى ديوان الباشا. ورتب له خمسة وعشرين كيسًا في كل شهر. واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1217 فيه شرعوا في عمل المولد النبوي وعملوا صواري ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ البكري ونصبوا خيامًا في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح الأسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال أولها صبح يوم الجمعة وآخرها الأحد ليلة المولد الشريف فكان كذلك. وفي ليلة المولد حضر الباشا الى بيت الدفتردار باستدعاء وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل. وفيه وصلت الأخبار بكثرة عربدة الأمراء القبالي وتجمع عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا الى غربي أسيوط وخافتهم العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور أهل الريف منهم وانضمامهم الى المصرلية ومن جملة أفاعيلهم التي ضيقت المنافس وأحرجت الصدور حتى أعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الأسباب وامتنع حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت أسعارها وأمر بأن لا يدخلوا الى الشون والحواصل شيئًا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا وفي كل وقت يرسلون أوراقًا وفرمانات الى العساكر بإطلاق المراكب فلا يمتثلون ويحجز الواحد منهم أو الإثنان المركب التي تحمل الألف أردب. ويربطونها بساحل الجهة التي هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم شرعوا في تسفير عساكر أيضًا وساري عسكرهم طاهر باشا وأخذ في المراكب الحشونة بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس يستخدمونهم في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي ما بها من الغلال على بعض السواحل إن لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب فيربطونها عندهم وأمثال ذلك مما تقصر عنه العبارة ولما تواترت هذه الأخبار عن الأمراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم الخميس خامس عشره عدى الى البر الغربي وتبعته العساكر. وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الأمراء القبالي ملخصها أن الأرض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن الى ما كان منهم وأنهم في طاعة الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب إبعادهم وطردهم وقتلهم فإنهم خدموا وجاهدوا وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس الذل والإقبال على الموت فإما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها الى جهة الحجاز أو تعينوا لنا جهة نقيم بها نحن خمسة أشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب ونعمل في رقابكم لأرقابنا وورد الخبر عنهم أنهم رجعوا القهقرى الى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة فاشتوروا في ذلك وكتبوا لهم جوابًا بإمضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الأمان لما عدا ابراهيم بك والألفي والبرديسي وأبا دياب. فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى يرسلوا الى الدولة ويأتي الإذن بما تقتضيه الآراء وأما بقيتهم فلهم الأمان والإذن بالحضور الى مصر ولهم الإعزاز والإكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما يكفيهم من التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك حسن فإنهم رتبوا له خمسة وعشرين كيسًا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام. ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان وهذه أول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر باشا مقيمًا بالبر الغربي. وفي هذا الشهر كمل تتميم عمارة المقايس على ما كان عمره الفرنسيس على طرف الميري وأنشأ به الباشا طيارة في علوه عوضًا عن الطيارة القديمة التي هدمها الفرنسيس وأنشأ أيضًا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكًا لطيفًا مزينًا بالأصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة. ومن الحوادث بسكندرية حضر قليون وفيه تجار وبزرجانية يقال له قليون مهر دار الدولة فأرسلوا بالمينة الغربية. وطلع منه قبطان وبعض التجار الى البلدة وأقام نحو يومين أو ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز أنه مات به رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة أيضًا فطلبوا القبطان فهرب. فأرسلوا الى المركب وأحضروا اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه وسحبوه بينهم في الأسواق وكلما مروا به على جماعة من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربًا شديدًا ولم يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه. ووقع أيضًا أن خورشيد حاكم الاسكندرية أحدث مظالم ومكوسًا على الباعة والمحترفين. فذهب بعض الانكليز يشتري سمكًا فطلب السماك منه زيادة في الثمن عن المعتاد فقال له الانكليز لأي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءه فتحققوا القضية وأحضروا المنادي وأمروه بالمناداة بإبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال حسبما رسم الوزير محمد باشا وخورشيد آغا بأن جميع الحوادث المحدثة بطالة فسمعوه يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربًا شديدًا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك حسبما رسم ساري عسكر الانكليز. ووقع أيضًا أن جماعة من العسكر أرادوا القبض على امرأة من النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من الانكليز إثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا الى خورشيد بأن يخرج الى خارج البلدة ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة وأسكنوه في دار بالبلد ومنعوا عسكره من حمل السلاح مطلقًا مثل الانكليزية. واستمروا على ذلك. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1217 فيه حضر أحمد آغا شويكار من عند القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الألفي ومعهم مكاتبات وأشيع طلبهم الصلح فأقاموا عدة أيام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في أواسطه ولم يظهر كيفية ما حصل وبطل سفر طاهر باشا الى الجهة القبلية ورجع الى داره بعد أيام من رجوعه. وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا في خامسه وتعشى هناك ورجع الى داره. وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي أمين الضربخانة وفرق ذهبًا كثيرًا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسة فخلع عليه الباشا فروة سمور. وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الأماكن المجاورة لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر المختصة به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك قبالة منزله من المكان المعروف بالساكت الى جامع عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتمامًا عظيمًا ورسم بعمل فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد مع ما الفلاحون فيه من الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرد وفرد الانكليز. وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع وكان من خبره أن هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك الى أن ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا أعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقي على حالته الى أن خرج الفرنسيس من أرض مصر وحضرت الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح الى الوزير يوسف باشا فأمر بإتمامه وإماله على طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك الى أن استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فاهتم لذلك فشرعوا في إكماله وتتميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على أحسن ما كان وأحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والأصباغ ولما كان يوم الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا والدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الأمير المالكي درس وظيفته وأملى إنما يعمر مساجد الله الآية والأحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك خلعة وكذا الإمام. وفيه نصب الباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الأنقاض فلما عاينه الأغوات والجوخدارية بادروا الى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك حضر طاهر باشا وأعيان العساكر فنقلوا أيضًا وطلبوا المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك فقال له المحتسب ذو الفقار: هؤلاء طائفة من طوائفي حضروا لأجل المساعدة فشكرهم على ذلك وأمرهم بالذهاب فبقي منهم طائفة وأخذوا في شيل التراب بالأغلاق ساعة والطبول تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن القرناء للباشا المساعدة وأن الناس تحب ذلك فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم أرباب الحرف التي كتبت أيام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم بالحضور. فأول ما بدأوا بالنصارى الأقباط فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس لجوهري وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور وأحضر لهم أيضًا مهتار باشا النوبة التركية وأنواع الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم أيضًا كذلك طائفة. ولما انقضت طوائف الأقباط حضر النصارى الشوام والأروام ثم طلبوا أرباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون الى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك خلاف ما رتبه مهتار باشا. فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك في الشمس والغبار والعفار. وزادوا في الطنبور نغمة وهي أنهم بعد أن يفرغوا من الشغل ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدارهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك الطبالين والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه واختياره فيأتي على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشًا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم وبذهب الى خطتهم ويلزمهم بإحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه وإذا حضرت طائفة ولم تقدم بين يديها هدية أو جعالة طولوا عليهم المدة وأتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة كما وقع لتجار الغورية والحريرة وإذا قدموا بين أيديهم شيئًا خففوا عليهم وأكرموهم ومنعوا أعيانهم وشيوخهم من الشغل وأجلسوهم بخيمة مهتار باشا وأحضر لهم الآلات والمغاني فضربت بين أيديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر هذا العمل بقية الشهر الماضي الى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة أشياء من الرذالة وهي السخرة والمعونة وأجرة الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الأعداء من النصارى وتعطيل معاشهم وعاشرها أجرة الحمام. وفي يوم الأربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب أذية العساكر العثمانية.
|